
المَعْصِيَةُ الظاهِرَةُ وَ المَعْصِيَةُ المَسْتُورَة
ورد في الحديث: خفِ الله خوفاً كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن قلت بأنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم بأنه يراك وبرزت إليه بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين إليك: فقد يرتكب الإنسان ذنباً على مرأى ومسمع من الناس، وقد يرتكبه وهو لوحده، وكلاهما قبيح، لأن المعصية قبيحة على كل حال، ولكنك إذا تجاهرت بالمعصية بنية التجرؤ كان ذنبك أقبح من الطبيعي، فواجب كل إنسان أن يترك جميع الذنوب ظاهرها وباطنها، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم حيث يقول تعالى(وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ)
الذنُوبُ الَتِي لهَا عِقَابَان
مما لا شك به أن للذنوب آثاراً سيئة في يوم القيامة، فكل ذنب له حساب وتبعة سوف يُسئل عنها فاعلها في يوم الحساب إلا إذا استغفر منها فلا يُحاسَب عليها حينئذ، وقد شاءت القدرة الإلهية أن يكون هناك أنواع من الذنوب لها آثار في الدنيا وآثار في الآخرة، أما الآثار الدنيوية لبعض الذنوب فهي نوعان: نوع يقف عند حدود النفس فتكون آثاره نفسية فقط، ونوع لها عقاب يقوم به الإمام المعصوم أو نائبه، كعقاب القتل والزنا والسرقة والقَطع، فإن القاتل عمداً يُقتل بالمقتول وله عذاب أليم في يوم القيامة، هذا ما أخبرنا به القرآن الكريم بقوله(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
وكذا حكم السارقة والسارق، فقد قال تعالى(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
وكذا الحكم في الزنا فإنه ذنب عليه عقابان أحدهما دنيوي والآخر أخروي، قال تعالى(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وعلى أي حال فمهما كان نوع الذنب الذي نرتكبه فلا ينبغي أن نقنط من رحمة الله لأن القنوط من رحمته أشد من عقاب المعصية، قال تعالى(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
المَعْصِيَةُ نَوْعَان
هناك نوع من المعاصي يصدر عن شهوة في فاعلها، فقد تدعو شهوة الفرج صاحبها إلى الوقوع في جُرم الزنا، وقد تدعوه حاجته إلى السرقة، وهناك نوع يصدر من دون دافع الإشباع كترك الصلاة وعدم الإلتزام بفريضة الحج مع الإستطاعة، وكلا النوعين قبيح، غير أن النوع الثاني أشد قبحاً من النوع الأول لأنه ينبئ عن الإستخفاف بحكم الله عز وجل.
الشيخ علي فقيه



